وکاله آریا للأنباء - جهاز تشخیص اضطراب طیف التوحد من خلال تتبع حرکه العین (الجزیره)
فی إنجاز علمی یعکس تسارع وتیره التطور البحثی فی قطر، نجح معهد قطر لبحوث الطب الحیوی، التابع لجامعه حمد بن خلیفه -عضو مؤسسه قطر للتربیه والعلوم وتنمیه المجتمع- فی تطویر تقنیه طبیه جدیده وفریده من نوعها، تعتمد على تتبّع حرکه العین لتشخیص اضطراب طیف التوحد خلال أقل من 4 دقائق.
وتعتمد فکره التقنیه الجدیده على ملاحظه خلل فی حرکه العین لدى المصابین باضطراب طیف التوحد ، وهو خلل لا یختص بالعین ذاتها أو بالنظر، ولکنه خلل فی خلایا الدماغ المسؤوله عن التواصل البصری، إذ یعانی ذوو التوحد من ضعف التواصل البصری أو غیابه أثناء الحدیث، فلا یرکّزون بنظرهم على وجه المتحدث وهی سمه تُعد من العلامات الممیزه لهذا الاضطراب.
وما یمیز الجهاز الجدید هو أنه لا یعتمد على خبره الشخص القائم بالفحص، بعکس الأسالیب التقلیدیه التی تعتمد على أدوات وتشخیصات شخصیه تستند إلى الخبره والتحلیل الذاتی. وبالتالی، فإن الجهاز یوفر تشخیصًا دقیقًا ثابتًا، ولا یتغیر من فحص إلى آخر، وذلک وفقا لتصریحات الباحث الرئیسی فی معهد قطر لبحوث الطب الحیوی للجزیره نت الدکتور فؤاد الشعبان الذی قاد فریق البحث الخاص بهذه التقنیه.
ویقول الشعبان إن التقنیه الجدیده هی نتاج عمل بحثی مشترک مع مستشفى کلیفلاند کلینیک بالولایات المتحده الأمیرکیه، استغرق فی البدایه نحو 5 سنوات حتى تم التوصل إلى نسخه تقنیه یمکنها تشخیص التوحد فی غضون ما بین 10-15 دقیقه، ولکن الفریق البحثی فی معهد قطر لبحوث الطب الحیوی استمر فی العمل 3 سنوات لیکتمل العمل البحثی بعد 8 سنوات، حتى تم التوصل إلى نسخه جدیده من الجهاز یمکنها إجراء التشخیص فی غضون 4 دقائق فقط وهی مده کافیه لإجراء التشخیص من دون أن یشعر الطفل أو المریض بالإرهاق أو التشتت.
الدکتور فؤاد الشعبان: الإسراع فی توفیر الخدمات لذوی التوحد من خلال التشخیص السریع والمبکر (الجزیره) رصد حرکه العین
ویوضح الشعبان فی حدیثه للجزیره نت آلیه عمل الجهاز الجدید، مشیرا إلى أنها تعتمد فی المقام الأول على رصد الخلل فی حرکه العین وهو خلل یتعلق بخلایا الدماغ المسؤوله عن التواصل البصری إذ إن أکثر من 95% من ذوی التوحد یعانون من هذا الخلل، وبناءً على هذه الأمر یعمل جهاز تتبع حرکه العین وفقًا لهذا الأساس العلمی.
وخلال الفحص یجلس الشخص أمام شاشه کمبیوتر مزوده بجهاز خاص وکامیرا معینه لمده 4 دقائق، یتم خلالها تحدید حرکه العین ورصدها وتسجیل جمیع الإشارات التی تساعد على التشخیص والذی تصل دقته إلى أکثر من 95% وهی نسبه عالیه.
ووجد الباحثون فی معهد قطر لبحوث الطب الحیوی أن فتره 15 دقیقه طویله ولا یمکن لأی طفل أو شخص عادی الترکیز والانتباه خلالها على الجهاز، ولذا تم العمل على تطویر التقنیه للوصول إلى الفتره الزمنیه الحالیه وهی 4 دقائق فقط.
الفئات العمریه
استعرض الشعبان الفئات العمریه التی یصلح معها هذا الجهاز قائلا إنه یستهدف جمیع الفئات من عمر 5-6 أشهر فما فوق، ویمکنه فی الحالات الشدیده للأطفال تشخیص الحالات فی عمر 4 أشهر، کما یمکن استخدامه للأعمار الکبیره من دون سقف محدد، موضحا أنه تم بالفعل فحص أکثر من 550 شخصا من الأعمار الکبیره وأثبت الجهاز فاعلیته فی تشخیص حالات ذوی التوحد.
ویعد اضطراب طیف التوحد اضطرابا مزمنا ولا شفاء منه ولکن یمکن إدارته والتعامل معه بصوره مناسبه طبیا تسهم فی تحسین جوده حیاه ذوی التوحد وتسهل دمجه بالمجتمع، وتبلغ نسبه انتشار طیف التوحد فی قطر ١.١٤% أی واحد لکل ٨٧ طفلا، حسب الشعبان.
مرحله التوثیق
مرت التقنیه بمراحل علمیه دقیقه وطویله الأمد، کما تُعد ثمره جهود بحثیه امتدت أکثر من 8 سنوات بالتعاون مع واحده من أعرق المؤسسات الطبیه فی العالم، بهدف تطویر أداه دقیقه وسریعه لتشخیص اضطراب طیف التوحد.
وفی ما یتعلق بالتجارب السریریه والدراسات العلمیه، قال الشعبان إنه تم إجراء بحوث مکثفه مع مؤسسه "کلیفلاند کلینیک" الأمیرکیه، وأسهمت فی تطویر التقنیه وتم خلالها إجراء دراسات متعدده وموثقه، نُشرت فی مجلات علمیه عالمیه مرموقه.
کما تم توثیق دقه الجهاز وکفاءته بشکل علمی، وأثبتت النتائج فاعلیه هذه التقنیه فی تشخیص اضطراب طیف التوحد، خاصه النسخه المختصره من الأداه التی تعتمد على تتبّع حرکه العین وتستغرق 4 دقائق فقط، والتی استغرقت 3 سنوات وخضعت أیضًا لدراسات علمیه مکثفه وهذه الدراسات موثقه، وهی الآن فی مراحل النشر والتوثیق الأکادیمی.
الجهاز الجدید تبلغ تکلفته 14 ألف دولار أمیرکی ویقضی على قوائم الانتظار للتشخیص (الجزیره) جاهزه للتسویق
یقول الشعبان إن التقنیه الجدیده أصبحت جاهزه للتسویق التجاری، ویجری حالیا اتخاذ الخطوات اللازمه لتأسیس شرکه متخصصه تتولى هذه المهمه، ومن المتوقع أن یکون الجهاز متاحًا للاستخدام الفعلی خلال الأشهر القلیله القادمه، سواء داخل دوله قطر أو فی منطقه الشرق الأوسط، بل على الصعید العالمی.
وتتمثل إحدى أبرز مزایا هذه التقنیه فی انخفاض تکلفتها حیث لا یتجاوز سعرها 14 ألف دولار أمیرکی، وهو ما یُعد رقما مناسبا جدا بالنظر إلى کلفه التجهیزات الطبیه المتخصصه الأخرى، خاصه تلک التی تدخل فی مجال تشخیص الاضطرابات العصبیه والنمائیه، وهذا العامل یجعل من التقنیه الجدیده خیارًا عملیا للدول والمؤسسات الصحیه التی تسعى إلى تعزیز قدرتها على التشخیص المبکر لاضطرابات طیف التوحد.
ویری الشعبان أن الطرق التقلیدیه المستخدمه حالیا فی تشخیص اضطراب طیف التوحد تعانی من عدد من التحدیات، أبرزها طول فتره الانتظار للحصول على موعد مع مختصین مؤهلین لإجراء التقییم التشخیصی وهم فی الأساس أعدادهم محدوده، وهی مشکله لا تقتصر على قطر فحسب بل تعانی منها معظم دول العالم.
فترات الانتظار
وفی بعض الحالات، قد تراوح فتره الانتظار بین 6 أشهر إلى عامین کاملین، وذلک یؤخر کثیرا التدخل المبکر اللازمه لعلاج وتطویر الأطفال المصابین. وانطلاقًا من هذه المعطیات، یرى الشعبان أن إدخال التقنیه الجدیده فی منظومه الرعایه الصحیه من شأنه أن یحدث تحولًا جوهریا فی هذا المجال، لا سیما فی ما یتعلق بتحسین جوده حیاه الأطفال المصابین بالتوحد وأسرهم، عبر توفیر تدخلات علاجیه مبکره تتناسب مع احتیاجات کل حاله.
وغالبا ما یؤدی التأخر فی التشخیص إلى نتائج سلبیه على الطفل المصاب، حیث یُحرم من فرص ثمینه للتدخل المبکر، وهو العامل الذی تؤکده جمیع الأدبیات العلمیه کأحد أهم المحددات فی تحسین مسار النمو والتکیف الاجتماعی والسلوکی لدى الأفراد المصابین بطیف التوحد.
وبشأن هذا الأمر، یؤکد الشعبان أن التشخیص المبکر یشکل المرحله الأولى ضمن سلسله من الخطوات العلاجیه والتأهیلیه اللاحقه، والتی قد تشمل برامج التدخل السلوکی، والتدریب التعلیمی المبکر، وأحیانًا التدخل الدوائی أو العلاج المتعدد التخصصات وأنه کلما تم تشخیص الحاله فی وقت مبکر زادت فاعلیه هذه التدخلات وارتفعت احتمالات اندماج الطفل فی المجتمع وتحقیقه لتطورات وظیفیه ملموسه.
المصدر: الجزیره